دراسات
إسلامية
دارالعلوم..
في مجال
الدفاع عن
الإسلام
(6)
بقلم:
الأستاذ
محمد ساجد
القاسمي (*)
6-
اللامذهبية:
لقد
ظلَّ مُعْظَم
الملوك
والأمراء
والحكومات
الإسلامية في
الهند منذ
الفتح
الإسلامي يَتَمَذْهَبُون
بالمذهب
الحنفي،
فيُنْصب القضاة
وأصحاب
الفتيا في
المحاكم
وفقه، وتجري
المعاملات
والأقضية في
ضوئه، ويُدرس
في المدارس
كتبُه، ويقوم
بعض الملوك
المسلمين
بتدوين كتب
الفتاوى
كالفتاوى
الهندية، والفتاوى
التاتارخانية
في الفقه
الحنفي ليتخذوها
دستورًا
لحكومتهم.
وكذلك
أهالي الهند
المسلمون
ظلُّوا
يعملون بالمذهب
الحنفي وفقًا
للقول السائر:
الناس على دين
ملوكهم، ولم
يعهدوا
مذهبًا آخر،
اللهمَّ إلا
المذهب
الشافعي في
جنوب الهند،
فكانوا-
الأحناف
والشوافع- إخوانًا
متحابِّين،
لم تكن بينهم
خلافات وإحَن مذهبية.
لم
يشهد التاريخ
الإسلامي في
الهند فيما
قبل الاحتلال
الإنجليزي
أنَّ عالمًا
من العلماء
نبذ التقليد،
أو طعنَ على
إمام من
الأيمة الأربعة،
أو أثارَ
مسائل خلافية
تؤدِّي إلى
الافتراق بين
المسلمين.
قال
الشيخ النواب
صديق حسن خان
القنوجي البوفالي
أحد كبار
علماء
اللامذهبية:
«...إنَّ
أحوال
المسلمين في
الهند منذ أن
اعتنق أهلها
الإسلام حتى
يومنا هذا هم
يتّبِعُون الإمام
أبا حنيفة؛
لأنّ الناس
على دين ملوكهم،
يُحبُّونهم
ويختارون طرقهم
ومسلكهم.
والملوك
والأمراء
والقضاة كلهم
كانوا على
مذهب الإمام
الأعظم أبي
حنيفة»(1).
ما
زالت الحال
كذلك حتى سقوط
الحكومة
الإسلامية
المغولية في
أيدي
الإنجليز،
فأقاموا حكومتهم
على أنقاضها،
و جعلوا أهلها
شيعًا وطوائف،
يُنعِمون على
من يواليهم
ويخدم مصالحهم،
ويَصُبُّون
سوط العذاب
على من
يُعاديهم ويحاربهم.
ومن الطوائف
التي نشأت
خلال حكمهم في
الهند
«اللامذهبية».
نشأة
اللامذهبية:
فيما
يغلب الظنُّ
أنَّ اتجاه
التحرُّر من
التقليد
والطعن على
سلف الأمة
وأيمتها
العظام قد نشأ
بعد شهادة
الإمامين
الشهيدين:
الإمام أحمد
بن عرفان
الرائ
بريلوي،
والإمام
إسماعيل بن عبد
الغني
الدهلوي في
معركة «بالا
كوت» عام 1246هـ،
وصاحب هذا
الاتجاه هو
عبد الحق بن
فضل الله
البنارسي
المتوفى سنة
1276هـ الذي كان
في قافلة
الإمام أحمد
بن عرفان في
سفره إلى
الحجاز، فطرد
منها لشذوذه
في الآراء
والاتجاهات.
قال
الشيخ عبد
الحي الحسني:
«..ثم
سافر إلى
الحجاز في ركب
السيد الإمام
أحمد بن عرفان
البريلوي،
فلما وصل إلى
المدينة المنورة
بعد الحج
تكلَّم في بعض
المسائل الخلافية
على عادته،
وتفوَّه في حق
المجتهدين، ورمى
بالضلال
أصحابَ
المذاهب
الأخَرمن الأحناف
والشافعية،
وكان إذ ذاك
الشيخ محمد
سعيد الأسلمي
المدراسي
بالمدينة
المنورة فوشى
به إلى القاضي،
فلمّا علمَ
ذلك عبد الحق
خرج من
المدينة مختفيًا
وذهب إلى
الجزيرة... كان
عبد الحق لا
يتقيد بمذهب
ولا يُقلِّد
أحدًا في شيء
من أمور دينية،
بل يعمل بنصوص
الكتاب
والسنة،
ويجتهد
برأيه، ولذلك
جرت بينه و
بين الأحناف
مباحثات
كثيرة في
الاجتهاد
والتقليد. ومن
مصنفاته الدُّر
الفريد في
المنع عن
التقليد»(2).
هو
أول من سعى في
نشر هذا
الاتجاه
وترويجه في منطقة
«بنارس». قال
الشيخ عبد
الخالق
المتوفى سنة
1247هـ:
«إن
مؤسِّس هذه
الفرقة
الجديدة -
فرقة
غيرمقلدة- هو
عبد الحق
البنارسي
الذي يقيم منذ
أيام في
«بنارس». وقد
خلعه عن
البيعة وطرده
من الجماعة
أميرُ
المؤمنين-
السيد أحمد
الشهيد- نظرًا
إلى أعماله
الشنيعة
ومعتقداته
القبيحة.
وأفتى علماء
الحرمين
بقتله، ولكنه
هرب من هناك
مختفيًا»(3).
نشرالرَّجُل
أفكاره
واتجاهاته من
التحرر من
التقليد، وعدم
التقيد بمذهب
من المذاهب،
والطعن على
الأيمة بعد
شهادة الإمام
أحمد بن عرفان
عام 1246هـ، وادَّعى
أنه خليفته.
فقام خلفاء
الإمام وأصحابه
باستفتاء
علماء
الحرمين
الشريفين
عنه، فأفتوا
بأنه ضالٌّ
ومضِلٌّ، ثم
وقّع على الفتوى
خلفاءُ
الإمام
وأصحابه.
ثم
أفتى كلٌ من
الشيخ إسحاق
الدهلوي
المتوفى سنة
1262هـ، والشيخ
المفتي صدر
الدين آزرده
المتوفى سنة
1285هـ، والشيخ
عبد الخالق
المتوفى 1247هـ بضلال
أصحاب هذا
الاتجاه. وقد
نشرت هذه
الفتوى
مقرونةً
بفتوى علماء
الحرمين سنة
1254هـ.
كان
عبد الحق هذا
رافضيًا
تسلَّل إلى
صفوف المسلمين
لإيقاع
الوقيعة
والافتراق
بينهم، ونشر الاتجاهات
الهدّامة
فيهم، وقد
اعترف بتشيُّعه
ورفضه للمقرئ
عبد الرحمن
الفاني فتي،
يقول المقرئ:
«لقد
أخرج عبد الحق
آلافًا من أهل
السنة والجماعة
–
بحيلة
العمل
بالحديث- من
ربقة التقليد
... وقد اعترف لي
بأنَّ عائشة – رضي
الله عنها-
ارتدَّت
لمحاربتها
عليًّا -رضي
الله عنه- فلو
ماتت بدون
توبة ماتت
كافرة. العياذ
بالله.
وأضاف
قائلاً: «إنَّ
الصحابة
كانوا قد
حفظوا الأحاديث
خُماسَ، وأنا
حفظت جميع
الأحاديث،
وإن علمي
أكبرمن
علمهم».
«وبعد
مدة تقابل هذا
الرافضي
رافضيًا آخر
كان موظفًا في
ديوان الأمير
في بنارس، وهو
الشيخ غلشن علي،
وهمس إلى أذنه
قائلا: أنا
شيعي وكنت
اخترت
التقية،
والآن أعلن
شيعتي، وعملت
عملا لم يعمل
عبد الله بن
سبا
متقنِّعًا
بقناع العمل بالحديث.
وقد أخرجت
ألوفًا من
مقلِّدي المذهب
من قيد
التقليد.
والآن سهُل
لهم أن يتحوَّلوا
إلى التشيُّع.
فالشيخ غلشن
علي وظَّفه على
راتب شهري
قدره ثلاثون
روبية عوضًا
عن هذه الخدمة
الجليلة»(4).
أخذ
هذا الاتجاه
ينتشر رويدًا
رويدًا في المسلمين،
فاعتنقه
بعضهم، حتى
أصبحوا شرذمة
قليلة، ولم
يكونوا
يُعرفون في
بداية أمرهم
باسم خاص. ثم
تسمّوا بعدد
من الأسماء:
مثل
«المحمدي»
و«الأثري»
وفي الأخير
«أهل الحديث»
الذي حصلوا
عليه من
الحكومة الإنجليزية.
وبعد اكتشاف
البترول في
المملكة
العربية
السعودية
واتصال
حبالهم بها
تسلّف بعضهم،
ونسبوا
أنفسهم إلى
السلفية.
ومن
العجب أنَّ
الفِرَق التي
ظهرت في تاريخ
المسلمين سَمَّتها
بأنفسها بالأ
سماء
وعُرِفَت بها
فيهم، وأما
هذه الشرذمة
فقد حصلت
لنفسها–
بعد
جهد جهيد- على
الموافقة على
اسم «أهل الحديث»
من الحكومة
الكافرة!!.
والحق
أنَّهم ليسوا
بأهل الحديث
بالمعنى المعروف
في الماضي،
وإنما
استعاروا هذا
الاسم
لأنفسهم
ليخدعوا به
المسلمين،
فجُلُّ
تركيزهم على
تخليص مقلدة
المذهب
الحنفي من قيد
التقليد،
والطعن على
الإمام أبي
حنيفة
وأتباعه،
وإثارة المسائل
الخلافية
الفرعية،
وإحداث
البلبلة الفكرية
في المسلمين،
وشقِّ عصاهم.
فهم باسم «اللامذهبية»
أحقُّ منهم
بأهل الحديث.
أشهرعلمائها:
لقد
عمِل على نشر
اللامذهبية
ثلاثةٌ من
كبار علمائها،
وكان لهم
علاقات وثيقة
مع الإنجليز،
فحصلوا من
الحكومة
الإنجليزية
الألقاب و الامتيازات
والإقطاعات.
أحدهم
النواب صديق
حسن خان
القنوجي
البوفالي أحد
أيمة
اللامذهبية
وأقطابها،
يلقِّبه
اللامذهبيون
بـ«إمام
السنة، وخاتم
المحدثين،
ومجدِّد
الهند». ولد
19/جمادى الآخرة
سنة 1248هـ في
خؤولته
بمدينة
«بريلي» بولاية
أترابراديش،
وبعد ما تلقى
الدراسة الابتدائية
والمتوسطة من
مختلف
الأساتذة أخذ
الدراسات
العليا عن
الشيخ المفتي
صدر الدين آزرده،
والشيخ عبد
الحق
البنارسي
مؤسس
اللامذهبية.
كان
من أسرة
فقيرة، يعيش
عيشًا ضنكًا،
وقد شرَّفته
الأميرة
شاهجهان
رئيسة إمارة
«بوفال»
بزواجها منه،
وقد كانت
أرملت في شرخ
شبابها، وكان
هذا الزواج
بمباركة
وموافقة
ومشورة الحكومة
الإنجليزية.
فبعد
هذا الزواج
طاب عيشه،
وعلت مكانته،
وازداد نفوذه.
كان
يرفض
التقليد، ولا
يرى الاحتجاج
بأقوال الصحابة
في
تفسيرالقرآن،
بلَهَ أقوالَ
الأيمة
الأربعة.
«وكان له سوء
الظنِّ بأيمة
الفقه
والتصوُّف لا
سيما الإمام
أبي حنيفة».
وكان
يقول: منهجنا
العمل بما
تقتضي أدلة
الكتاب
والسنة، ولا
نعمل بآراء من
تقدَّم من
العلماء
والمجتهدين(5).
وقد
أكّد ولاءه
ووفاءه
للإنجليز،
وعدم جواز الجهاد
ضدّهم حيث
قال:
«وقد
ظهرت لنا بعد
البحث
والتحقيق،
أنَّه ليس
هناك فرقة
أشدُّ
إخلاصًا
وولاءً
وطلبًا للأمن
والسلام،
وراحة لرعايا
الدولة، من
تلك الفرقة
التي تدِّعي لنفسها
لقب «أهل
السنة
والحديث»
وليسوا مقلِّدين
لمذهب خاص».
وقال:
«لايجوز
للمسلمين أن
يعارضوا
الدولة الإنجليزية،
وأن يشكُّوا
في
كونها[الهند]
دارًللإسلام».
و
أضاف قائلا:
«إن
الحرب التي
وقعت عام 1857م لم
تكن حربًا
شرعيًا ولا
جهادًا
شرعيًا. وكيف
يكون الجهاد
الشرعي؟ إنَّ
الأمن
والسلام
اللذين كانا
متوفِّرين في
ظلِّ حكومة
بريطانيا،
فقد وقع فيهما
خلل كبير»(6).
واجتهد
بنفسه
فاستنبط
مسائل
تُعارِض
الكتابَ
والسنةَ،
فمنها ما يلي:
1-
المني،
والخمر،
والميتة،
والكلب، والخنزير،
وبول
الحيوانات
كلها طاهر.
2- تصح
صلاة المرأة
دون أن تستر
عورتها.
3- لا ربا
فيما عدا
الأشياء
الستة.
4- يجوز
أكلُ صيدٍ مات
بإطلاق رصاصة
البندقية
عليه.
5- يكفي
التضحيةُ
بشاةٍ عن بيتٍ
واحدٍ، مهما
كان يشتمل على
مئة رجل(7).
توفي
29/ جمادى
الآخرة 1307هـ.
وثانيهم
الشيخ
ميان نذير
حسين السورج
كرهي
الدهلوي،
وُلِدَ بقرية
«سورج كرهـ»
بمديرية
مونغير
بولاية بيهار
سنة 1220هـ، وهو
من كبار
علمائها.
يلقِّبه
اللامذهبيون
بشيخ الكل في
الكل، وقد بذل
في نشر
اللامذهبية 75
عاما من عمره،
وتلمذ عليه
عدد كبير من
علماء
اللامذهبية(8).
وهو أول من
نادى برفض
التقليد في
دهلي وما
حولها، وقاد
حركة التحرير
من تقليد أئمة
المذاهب،
وزرع هذه
الشجرة
الخبيثة، وسقاها
بماء الحقد
والكراهية،
وشجّع
تلاميذه على
تعهُّدها
ورعايتها
بمباركة من
الاستعمار.
وأنكر حجية
أقوال
الصحابة
وأفعالهم،
وأنكر من
الدلائل
الشرعية
الإجماع
والقياس. وأنكر
معجزات
الرسول –صلى
الله عليه
وسلم- بإنكار
حجية أخبار
الآحاد، وكان
لا يرى الجهاد
ضد الإنجليز
في الهند بل كان
يواليهم
ويلقي إليهم
بالمودة(9).
فلما
بلغ الظلم
والاضطهاد من
الإنجليز
منتهاه عام 1857م
أفتى عدد من
علماء دهلى
بالجهاد ضدَّ
الإنجليز،
ووقّعوا على
الفتوى، أما
الشيخ نذير
حسين فقد
امتنع عن
التوقيع عليها.
وقد
أخذ بعضَ
الإفرنجيات
المصابات
بالجروح أيام
ثورة عام 1857م
إلى منزله
وقام
بتمريضهن.. ثم لما
استتبَّ
الأمن أعادهن
إلى معسكر
الإنجليز،
مما نال هو
وأصحابه
وثيقةَ
الأمان من الحكومة
الإنجليزية(10).
وتُوفي
سنة 1330هـ.
وثالثهم
الشيخ محمد
حسين
البتالوي وُلد
سنة 1256هـ ،
وهوأحد
تلاميذ الشيخ
ميان نذير
حسين الدهلوي،
وقد لازمه و
قرأ عليه
المشكاة
والصحاح الستة
وصحبه مدة
طويلة.ومن
كبارعلماء
اللامذهبية
المعروفين.
نشر- عن
طــريق
مجلَّتـه: «إشاعة
السنة» التي
كان يصدرها-
اللامذهبيةَ،
وهو الذي حصل
الموافقة على اسم
أهل الحديث
لشرذمته من
الإنجليز،
كان شديد
التعصب
لفئته، «يرد
على كل من
يخالفه فأفرط
في ذلك
وجاوزعن حد
القصد
والاعتدال،
وشدَّد
النكير على
مقلِّدي
المذاهب
الأربعة لاسيما
الأحناف،
وتعصَّب في
ذلك تعصبًا
غير محمودٍ،
فثارت به
الفتن»(11).
وقد
فاق في ولائه
للإنجليز
ووفائه لهم
سلَفَه
الراحل من
الشيخ صديق
حسن خان،
والشيخ نذير حسين،
حيث ألَّف
رسالة في نسخ
الجهاد باسم
«الاقتصاد في
مسائل
الجهاد» قال
فيه:
«إنَّ
الهند دار
الإسلام؛ فلا
يجوز الجهاد فيها،
بل لايجوز
الجهاد في العالم
كله في هذه
الأيام».
فكافأه
الإنجليز على
ذلك بالإقطاع(12).
من
معتقداتها
ومسائلها
الفقهية:
1- أفعال
الصحابة لا
تنتهض للا
حتجاج بها.
2-
اجتهاد
الصحابي ليس
بحجة على
الأمة.
3- إجماع
أصحاب الرسول
ليس بحجة.
4-
سنة الخلفاء
الراشدين لا
تصلح للعمل
بها.
5-
القياس ليس
بشيء.
6-
نكاح المتعة
حلال.
7- لا
أفضلية
للشيخين.
8- إنكار
ثبوت
المعجزات
بخبر الآحاد.
9-
القرآن ليس
معجزة
مستمِرَّة.
10-
الأحاديث
المرسلة،
والمنقطعة،
والحِسان، والصِحاح،
والضِعاف غير
مقبولة.
11-
الثواب لا يصل
إلى أرواح
الموتى.
12-
حادثة الإفك
كذبة كبرى.
13-
كان بعض أصحاب
الرسول –صلى
الله عليه
وسلم- فسقة.
14-
رفض التقليد
واعتباره
كفرًا وشركا(13).
وتلك
غيض من فيض من
معتقدات
ومسائل علماء
اللا مذهبية
التي هي
متفرقة في
كتبهم.
نشاطاتها:
لقد
نشأت حركة
اللامذهبية
وتطوَّرت
تطوّرًا
مدهشًا
إبَّان الحكم
الإنجليزي في
الهند؛ وذلك
لأنَّ
الإنجليز
كانوا
يروعونها
ويستخدمونها
وسيلة
للتفريق بين
المسلمين.
فلما بدأ كفاح
استقلال
البلاد
اضمَحلَّت
وفترت؛ لأنها
حُرِمَت
عناية
أوليائها:
الإنجليز. ثم
إنه لما تمّ
اكتشاف
البترول في
المملكة،
واتصلت حبال
اللامذهبية
بها تقمّصت
«السلفية
المصطنعة»
حصولًا على
المال
والمادَّة.
وولّى
أبناء ها
وأتباعها
وجوهَهم شطرَ
المملكة،
وأقنعوا
أصحاب الخير
والنفوذ فيها
بأن مسلمي شبه
القارة
الهندية
كلَّهم- ما
عدا أتباع
السلفية- في
بدعة وضلال(14)،
فلا بدّ من
إنقاذهم منه،
فابتزُّوا ثرواتهم
وأفرغوا
جيوبهم باسم
«الدعوة إلى
الله». وما
دعوتهم إلا
تحريرُ
المسلم الحنفي
من قيد
التقليد. كما
قال أحد(15)
علماء اللا
مذهبية
المعاصرين في
خطاب وجَّهَه
إلى بعض
إخوانه في
الهند:
«والله
إن دعوة
المسلم
الحنفي إلى
الصراط المستقيم-
السلفية-
أهمُّ عندي من
دعوة الكافر
إلى الإسلام»(16).
و
لهذا الغرض
النبيل
السامي
يقيمون
المدارس والجامعات
في الهند، كما
صرح العالم
المذكور
أعلاه
في الخطاب
نفسه «أن
الهدف الأساسي
من تأسيس
جامعة ابن
تيمية [في
بيهار بالهند]
هو القضاء على
الجرثومة
الحنفية
النجسة»(17).
ومن
نشاطاتهم
المباركة في
المملكة
تشويهُ صورة
مشايخ الجامعة
وعلمائها
وعدُّهم في
عداد الفرق
الضالة، وذلك با
ستخدام
النفوذ في
أوساط
المملكة حينًا،
و بتأليف
الكتب مثل
«الديوبندية»(18)
و«هل علماء
ديوبند من أهل
السنة
والجماعة؟» حينًا
آخر. تتجلّى
في هذه
الكتب
عداوتهم
الشديدة
لعلماء
ديوبند، حيث
قاموا فيها
بتتبع زلّاتهم
وسقطاتهم،
وما جاء في
كتب التراجم
والمجالس من
قصص وروايات،
ورؤى
ومنامات، أو
جمعوا نقولًا
غير أمينة مما
جاء في كتب
معارضيهم من
القبوريين
والبريلوين،
واعتبروا
كلَّ ذلك
عقائد لهم.
وقد
نبذوا
الأمانة
العلمية وراء
ظهورهم، حيث
لم يتصفَّحوا
للتعرف على
عقائد علماء
ديوبند ما
ألَّفوا في
العقيدة
والتفسير
والحديث، وما
أصدروا من
فتاوى بلغت
مجلدات ضخمة،
تركوا هذه
المصادر
الأولية
كلَّها، واعتمدوا
على ما لا
يُعتبر مصادر
في الموضوع، وعلى
المصادر
الثانوية غير
الموثوق بها،
وذلك ليس عن
جهل، وإنما عن
عمد، ونسبوا
إليهم من العقائد
والمواقف ما
هم منه براء
براءةَ الذئب
من ابن يعقوب.
موقف
علماء ديوبند
من الفقه
والفقهاء:
يحسن
بنا أن نذكر
هنا أنَّ
علماء ديوبند
ومنسوبيها-
معظم
المسلمين في
شبه القارة
الهندية- يتبعون
الإمام
أباحنيفة في
المسائل
الفرعية
والاجتهادية،
و يقفون ممن
عداه من
الأيمة
الثلاثة:
الإمام مالك،
والإمام محمد
بن إدريس
الشافعي،
والإمام أحمد
بن حنبل ومن
إليهم
موقفَ
الاحترام
والتقدير. وقد
بَيَّن
موقفَهم هذا
رئيسُ
الجامعة الأسبق
المقرئ الشيخ
محمد طيب رحمه
الله في كتابه:
«علماء ديوبند:
اتجاههم
الديني
ومزاجهم
المذهبي» حيث
قال:
«يتلخَّص
موقفهم من
الفقه
والفقهاء في
أنهم من أجل
التفادي من
أهواء النفس
ومن الإعجاب بالرأي
الشخصي، ومن
أجل صيانة
دينهم من
التشتُّت
والاضطراب
يرون من
اللازم أن
يتَّبِعوا فقهًا
معينًا وأن
يلتزموا
الإطار
المذهبي
لإمام مجتهد
واحد، فعلماء
ديوبند
حنفيون في
الفقه...
[والتزامهم]
وتصويبهم
للمذهب الحنفي
لا يعني أبدًا
أنَّهم يرون
أن الحق
الصراح ينحصر
في المذهب
الحنفي، وأن
المذاهب
الأخرى باطلة
متعارضة مع
الكتاب
والسنة،
وإنما يعني
أنَّهم ليسوا
مبتدعين،
وإنما مذهبهم
هو الآخر يرجع
إلى الكتاب
والسنة،
ويصدرون في
المسائل
كلِّها عن
مصادر
الشريعة
الأساسية
الموثوق بها
لدى
الأمة...فهم
يرمون إلى
تقديم مذهبهم
على غيره من
المذاهب، ولا
يهدفون إلى
أبطال
المذاهب
الأخرى؛
لأنَّهم يرون
أنَّها جميعًا
مذاهب
ترجيحية أي
يجوز تفضيلُ
بعضها على بعض
عن الدراسة
والتفكير،
وليست
تبليغية، فلا يجوز
التبليغ بها
والدعوة
إليها
والإشادة بها
مقابلَ
التشنيع على
غيرها؛ لأنَّ
الدعوة تُمارس
إلى الحق الذي
يقابله باطل،
حتى يقبله
الناس تاركين
وراءهم
الباطل، ولا
تجوز الدعوة
إلى الحق الذي
يُحاذيه حق،
حيث يكون ذلك
مرادفًا
لإبطال الحق»(19).
ملاحقة
علماء ديوبند
اللامذهبية:
فلما
أثار علماء
اللامذهبية
في فجر عهدها
المسائل
الفقهية من
قراءة
الفاتحة خلف
الإمام، ورفع
اليدين،
وآمين
بالجهر، وعدد
ركعات التراويح،
وصلاة الجمعة
في القرى، وما
إليها، قام
كلٌّ من
الإمام محمد
قاسم النانوتوي،
والشيخ رشيد
أحمد
الكنكوهي،
والشيخ محمود
حسن
الديوبندي،
والعلامة
محمد أنور شاه
الكشميري،
والشيخ أشرف
على التهانوي
بتاليف الكتب
في هذه
المسائل
وإشباعها
بحثًا وتحقيقا.
ثم
إنه لما
انتعشت
اللامذهبية
بعد اكتشاف البترول،
وجرى في
عروقها الدمُ
من أنابيبه
أخذت تتراقص
متفاخرة بأن
أتباعها على
الحق، ومن عداهم
على الباطل،
هبَّ علماء
ديوبند لمكافحتها
فألَّف
المحدث
الكبيرحبيب
الرحمن الأعظمي،
والشيخ
سرفراز صفدر،
والشيخ أبو
بكر الغازيفوري
كتبًا في الرد
عليها.
كما
عقدت جميعة
علماء الهند
برعاية رئيسها
السابق الشيخ
أسعد المدني
مؤتمر صيانة
السنة عام 2001م
لمكافحة هذه
الفرقة،
ونشاطاتها
الخبيثة على
حساب المملكة
العربية
السعودية،
وإخطار
المملكة بها.
ثم
عقدت الجامعة
مؤتمرًا باسم
صيانة السنة في
13/فبراير 2013م،
حضره
مديروالجامعات
والمدارس الإسلامية
من شتى أنحاء
البلاد،
فناقشوا
وتبادلوا
الآراء فيه في
أساليب
مكافحة هذه الفرقة
التي
تُضَلِّل من
سواها من
المسلمين وتوقع
الفُرقَة
والاضطراب
فيهم. وتمخض
المؤتمر عن
قرارات
هامَّة في
الموضوع،
منها إرسال
الوفد إلى
المملكة
لإعلامها
بأعمال وتحركات
متَّبعي هذه
الفرقة.
وفعلًا
زار المملكةَ
وفدٌ مكوَّنٌ
من كلٍّ من
رئيس الجامعة
الشيخ المفتي
أبو القاسم
النعماني،
والشيخ أرشد
المدني،
والشيخ نور
عالم خليل
الأميني،
والشيخ محمد
راشد
الأعظمي،
والشيخ محمد
عارف جميل الأعظمي.
والتقى
بالمفتي
العام
للمملكة
ووزير الشؤون
الدينيّة،
وآخرين من
رجال
الحكومة، و
قدَّم
المذكرة
إليهم، وتكلم
معهم في
الموضوع.
* *
*
الهوامش:
(1) ترجمان
الوهابية، ص: 10
(2) نزهة
الخواطر، 7/ 239، 240.
(3) الحركة
السلفية في
شبه القارة
الهندية، ص:34- 35.
(4) المصدر
السابق، ص:35-36.
(5) المحاضرة
الأولى في
الرد على
اللامذهبية،
ص :25.
(6) الحركة
السلفية في
شبه القارة
الهندية، ص:24-25.
(7) المحاضرة
الأولى في
الرد على
اللامذهبية،
ص :26.
(8) المحاضرة
الأولى في
الرد على
اللامذهبية،
ص :29
(9) الحركة
السلفية في
شبه القارة
الهندية، ص:34-40.
(10) المحاضرة
الأولى في
الرد على
اللامذهبية،
ص :31.
(11) نزهة
الخواطر، 7/ 728.
(12) المحاضرة
الأولى في
الرد على
اللامذهبية،
ص :31-32.
(13) الحركة
السلفية في
شبه القارة
الهندية، ص:120- 121.
(14) كما
اعترف
المدعومحمد
لقمان السلفي
الجنبارني
باحث فتاوى
ومدير إدارة
الترجمة
بمكتب سماحة
المفتي العام
للمملكة في
خطابه المرسل إلى
محمد أرشد
السلفي: حيث
جاء فيه: «إني
أقنعت
الحكومة
السعودية
جيدًا أن جميع
الفرق في الهند
وباكستان على
الزيغ
والضلال ما
عدا الجماعة
السلفية».
(15) وهومحمد
لقمان السلفي
الجنبارني
المذكور.
(16) الحركة
السلفية في
شبه القارة
الهندية، ص:184-185.
(17) المصدر
نفسه، ص:184-185.
(18) انظر
للتعليق على
كتاب
«الديوبندية»
كتابَ «وجه
جديد
للسلفية»
للشيخ بدر
الحسن القاسمي.
(19) علماء
ديوبند
اتجاههم
الديني
ومزاجهم المذهبي،
ص:234-237.
(*)
أستاذ قسم
الأدب العربي
بالجامعة الإسلامية:
دارالعلوم
ديوبند
(الهند)
مجلة
الداعي
الشهرية
الصادرة عن
دار العلوم ديوبند
، شعبان 1437 هـ =
مايو – يونيو
2016م ، العدد : 8 ، السنة
: 40